الفضاء الافتراضي - An Overview
الفضاء الافتراضي - An Overview
Blog Article
يرى يورغن هابرماس أن الفعل التواصلي يتميز عن غيره من الأفعال الأخرى بأنه لا يسعى للبحث عن الوسائل التي تمكنه من التأثير في الغير، بل يبحث عن كيفية التوصل إلى تفاهم معه لذلك حاول في كل أعماله البحث عن السبل التي تمكن من تحقيق الاندماج الاجتماعي بدل الصراع والتطاحن، والحل هو بناء فضاء عمومي يطرح للنقاش كل القضايا التي تساعد على تحقيق التفاهمات والإجماع بدل الصراع والعنف.
غاب "الفضاء" إذا لكن بقي "المشترك" و"الرأي العام" حاضرين بمعاني جديدة ومختلفة تدين كليا للروح الرقمية المسيطرة ولمنطق التواصل الاجتماعي المهيمن، خاصة وأن التواصل الافتراضي منح فرصا متساوية لكل المواطنين للمشاركة في النقاش العمومي وإنتاج المعنى، ورغم ما يبدو من أن التطورات التقنية وضعت للأفراد فضاءً افتراضيا عاما، يعبرون فيه عن آرائهم، ويمارسون ضمنه مواطنتهم بكل حرية، فإن التحدي يكمن في الانتباه إلى الاشكالات التي يطرحها هذا التحول: فما الذي نقصده حين نتحدث عن "الفضاء العام"؟ وهل يستطيع الافتراضي منح إنسان الزمن الحديث والمعاصر بالفعل معاني الفضاء المشترك الدال على التثاقف والتقابس والاعتراف بالحق في الاختلاف؟ أم إنه لا يعدو أن يكون تكريسا لنوع من الهروب والاختباء من المشاركة الفعلية والنقاش الجدي والجاد المحتضن للعلاقات البشرية في حميميتها الاتصالية وراء الشاشات؟ وما مدى قدرة هذا الفضاء على إرساء دعائم ثقافة المواطنة والوعي بالحقوق والواجبات؟
فنيل الاعتراف بحق هذه الأقليات في غرس ثقافتها ومبادئها والحفاظ عليها، يمر من بوابة "النضال المؤسساتي"، الذي يكون فيه أمر "مراجعة الضوابط والمناهج" أمرا ضروريا، من أجل ترسيخ سياسي للاعتراف.
قراءة في كتاب "صدام الحرية والمقدّس" للأستاذ عمّار بنحمّودة
وهي الرؤية التي تنطبق بتفاصيلها على واقع الفضاء العمومي العربي الذي خضعت وسائله منذ البداية للتوجيه لخدمة القوى النافذة في السلطة والحكم، الأخيرة التي كيفت أدوارها مرة أخرى وبنفس الأساليب المعهودة من رقابة ومتابعة على نشاط الإعلام الجديد الذي برزت فيه معالم فعلية للفضاء العمومي الحقيقي المبني على حرية النقاش والتداول الحر لقضايا الشأن العام، بحيث يتعرض هو الآخر لشتى أنواع التضييق والمحاصرة سواء باعتماد الوسائل التقنية أو السياسية والتشريعية قصد الحد من نشاطه، ودائما تحت طائلة أهداف التنمية والحفاظ على المصالح الإستراتيجية خاصة الأمنية منها.
ما يعني أن "الاعتراف" في متن تايلور له أفق مختلف عن بعض الأطروحات الأخرى الخاصة بالموضوع؛ لأن رهانه الذي يمكن معاينته بوضوح، ضمن دراسته المرتبطة بـ"سياسة الاعتراف" قائم بالأساس على تجاوز فكرة "دموية" الاعتراف. أي عوض أن يكون تحقيق الاعتراف مدعاة لخوض صراع حتى الموت -ولو بمعانيه المجازية الدالة على الهزيمة والخضوع والانصياع والعبودية- من أجل نيله، يمكن بلورته مع تايلور في إطار رؤية سياسية تتجاوز لغة الدم والصراع والهيمنة، إلى مستوى يصبح بموجبه استحقاقا سياسيا ومدنيا، يشابه باقي الحقوق التي يتم الحصول عليها بالتراضي والمواضعة السياسية، من خلال التفكير المؤسساتي في كيفية رفع غيابه الذي يولد "الاحتقار"، لكن باستحضار أبعاده "الوجودية" الدالة على "الهوية" أيضا.
كما استعرضت الدراسة مجموعة من السمات المتعلقة بالتواصل الشبكي، التي تحفز الفرد في التعبير نور الامارات عن رأيه، وتضعف من دوامة الصمت، وقد تمثلت في إنشاء أو الانضمام إلى مجموعات افتراضية متوافقة، وعدم الكشف عن الهوية، وغياب الحضور المادي والاتصال المباشر.
وفي الآونة الأخيرة برزت تحيزات لمن يقوم بتأسيس المواقع والشبكات الافتراضية من حيث انتقاء المعلومات التي تؤيد وجهة نظره فقط، الأمر الذي يقوم به أيضا من يقوم بإنشاء صفحات معارضة بما ينعكس في النهاية في الإضرار بالقضية محل الاهتمام وتضليل الرأي العام، وهو ما يكون له تأثير بالغ في المجتمع ويكون مناخا مناسبا للصراع الطائفي والعقائدي والنزاع الشخصي والجماعي.
ومن يفعل ذلك يعرض نفسه للمساءلة القانونية. جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كاتبها فقط
ويؤكد تشارلز ليدبيتر على أن انفتاح منصات التواصل الاجتماعي يسهل من إمكانات التعاون الجمعي بين الأفراد والجماعات الذين أصبحوا مصدر الابتكارات والأفكار الجديدة في الممارسات الديمقراطية، ويتوافق هذا الرأي مع عديد الدراسات التي أكدت منذ فترة طويلة على ضرورة الاعتراف بالدور المركزي الذي تلعبه «المجموعات الاجتماعية » في تشكيل وتصميم ونشر التكنولوجيات الجديدة.
إن المتأمل للمنظومة القيمية والثقافية التي تشكل مرجعية شباب مواقع الشبكات الاجتماعية الالكترونية لممارسة المعارضة السياسية سوف يجدها خليطا من مجموعة من العناصر أبرزها الطابع الراديكالي لهذه القيم، وهو ما يتسق في الغالب مع الطبيعة الشبابية التي تميل إلى الرفض والتمرد بسبب إدراك الشباب للقيود المفروضة على التعبير الأمر الذي يؤجج حرية التعبير على صفحات هذه المواقع، ورغم ذلك فيلاحظ بروز منظومة قيم يتم تداولها في الثقافة السياسية كالحديث عن تداول السلطة وضرورة التغيير في بنية النظام السياسي، إضافة لبعض العناصر القيمية التي تعبر عن مأزق الطبقة المتوسطة والتي تقف موقفا عدائيا من النخبة السياسية والاقتصادية، كما يمكن الإشارة إلى تشكل صحوة حول قيم الديمقراطية كضرورة احترام حقوق الإنسان والتأكيد على قيم الشفافية ومحاربة الفساد خاصة أن بعض النظم السياسية العربية تعيش في مأزق بالنسبة لهذه القضية.
يهدد الخوف من العزلة الاجتماعية الأفراد، مما يجعلهم يتحفظون عن إبداء آرائهم ولا يعلنون عنها، لا سيما إذا أدركوا أن هذه الآراء لا تحظى بتأييد الآخرين، وعلى العكس من ذلك، فإن أولئك الذين يشعرون أن آراءهم ستلقى استحسانًا، يرغبون في التعبير عنها من دون خوف.
وعليه فإن الفضاء العمومي يتشكل من خلال البرلمان، الأحزاب، الجمعيات، النقابات، الهيئات العالمية، الاتحادات المختلفة، المظاهرات، الاحتجاجات، وسائل الإعلام الجماهيرية، المؤسسات الحكومية كالوزارات، المؤسسات الدينية كالمسجد والكنيسة، المؤسسات الاجتماعية العمومية، الساحات العامة، الأسواق، المقاهي، الحمامات وغيرها.
وانطلاقا من هذا العرض السريع والمختصر لخصائص الفضاء العمومي الافتراضي، وللثورة الرقمية، يمكن القول إن الفضاء الفضاء الافتراضي العمومي الافتراضي أصبح يشكل فضاءً بالمعنى الدال على الدمقرطة الفعلية التي كان يسعى هابرماس ومن معه إلى إدراكها كأفق عام لإيتيقا التواصل، بسبب قدرة هذه المقولة الجديدة على تحويل الحديث صوب المواطنة العالمية، لوصف روح التفاعل المطلق الممكن بين الشعوب والثقافات.
ووجدت الدراسة أن دوامة الصمت تقدم أطروحتين متناقضتين فيما يتعلق بتطبيقها ضمن سياق الفضاء الافتراضي، تتعلق الأطروحة الأولى بتمكين سمات التواصل الشبكي من تقليص حضور النظرية من خلال تحفيز الأفراد على التعبير عن آرائهم وأفكارهم، فلم تعد مشاركات الأفراد غير مسموعة، حتى وإن كانوا يمثلون الأقلية، كما أنهم مستعدون للتحدث بصراحة وبحرية أكبر من خلال إنشاء مجموعات افتراضية لها نفس الاهتمامات والتفاعل الذي يخلو من القيود المفروضة على السلوك المعادي نتيجة التواصل بهويات مزيفة ومجهولة، وغياب الوجود المادي للشخص والتواصل وجهًا لوجه.